برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، أطلقت وزارة الصحة العامة التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين في لبنان، في حفل أقيم في السراي الكبير حضره وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور ووزير المال علي حسن خليل ووزير العمل سجعان قزي ووزير البيئة محمد المشنوق، ورئيس لجنة الصحة النيابية عاطف مجدلاني، والنواب مروان حمادة وجيلبرت زوين وعاصم عراجي ومروان فارس وأحمد فتفت ورياض رحال وخضر حبيب وعبد اللطيف الزين وشخصيات سياسية ونقابية واجتماعية وإعلامية.
كلمة رئيس الحكومة
وألقى الرئيس تمام سلام كلمة أشاد فيها بجهود وزير الصحة. واصفا مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين بأنه مشروع طموح. وقال: "نأمل أن ينجح هذا المشروع ويتأكد ويستكمل في كل المجالات الصحية الاخرى. ومن ابرز هذه المجالات الصحة العامة للبلاد. الصحة السياسية والوطنية للبلاد هي ايضا تحتاج الى جهود كبيرة وجبارة ونوعية للنهوض بالتحديات التي تواجه لبنان واللبنانيين في ظل الوضع المأسوي الذي تعيشه المنطقة والعالم".
أضاف: "حتى الآن نحن في لبنان متماسكون ومتضامنون ومحصنون وبلدنا بأمن وأمان، وإن شاء الله يستمر في ذلك. ولكن من اجل هذا المطلوب معالجة ملفات اساسية في البلد. بالأمس تابعتم جلسة مجلس الوزراء التي ناقشت التقرير المالي الذي عرض علينا من قبل وزير المالية. وما يمكنني قوله انه في جلسة الأمس لمست ربما وللمرة الأولى ان هناك وعيا وادراكا ومسؤولية عند جميع إخواني الوزراء في موضوع يتعلق بالموازنة العامة في البلاد وضرورة ان نتجاوز في معالجتنا لهذا الاستحقاق الوطني الكبير الكثير من خصوصياتنا وحساسيتنا ومن حاجاتنا السياسية الفئوية التي تطغى للأسف على الكثير من الملفات".
وتابع: "وقد لمسنا انه ربما نحن مقبلون في الشهرين المقبلين على معالجة هذا الموضوع بجدية، فبعد عشر سنوات من غياب الموازنة سيكون للبنان إن شاء الله موازنة تساهم في الكثير من حاجاته. لا أنفي انه ما زالت هناك عقبات ولكن آمل أن تذلل لنتمكن من انجاز المزيد من التحصين للوطن". بحاجة الى معالجة والارتقاء الى مستوى المسؤولية وابرزها ملف النفط والغاز الذي يتعلق بمستقبل اجيالنا وبلدنا. هذا الملف سيأخذ مجراه لنتمكن من إعتماد القرارات الصائبة التي تحصنه. كما سنبذل جهودا في ملفات أخرى مثل الكهرباء والنفايات والإتصالات، لأن العديد منها مع الاسف أصابته الحالة الصحية التي تعاني منها الأوضاع السياسية في البلاد التي ما زالت الى حد بعيد في وضع حرج وفي العناية الفائقة".
وختم: "المدخل الأساس لمعالجة الخلل في جميع هذه الملفات هو في انتخاب رئيس جديد للجمهورية".
أبو فاعور
وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور كان قد استهل كلمته بتوجيه الشكر لرئيس الحكومة على تقديمه الدعم والرعاية والاحتضان لكل مبادرات وزارة الصحة، ولا سيما مبادرة التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين في لبنان، لافتًا إلى أن الرئيس تمام سلام "أخضعه لجلسة استجواب في عملة تعذيب ذهني" حول هذا المشروع قبل أن يوافق عليه ويتبناه، ما يعكس الاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الحكومة لما يعزز فكرة الدولة في ذهن المواطن وفي الواقع.
وقال أبو فاعور: في زمن يُنظر إليه على أنه زمن انهيار الدولة، نسعى لتعزيز فكرة الدولة وحمايتها وتكريسها في ذهن المواطن، وفي زمن يُنظر إليه على أنه زمن الخيبات المتتالية من خيبة النفايات والإنترنت غير الشرعي وشبكة الدعارة إلى غيرها من الخيبات المتتالية، نحاول أن نصنع الأمل في ذهن المواطن؛ وفي زمن تناحر المجموعات اللبنانية نحاول أن نبحث عن حقوق المواطن الفرد، سواء انتمى أم لم ينتم سياسيًا أو طائفيا أو حزبيًا.
أضاف وزير الصحة العامة أن لاحاجة إلى الكثير من الدلائل عن قصور الدولة في الكثير من وظائفها الإجتماعية، في حين أن الكثير من الدول سبقتنا إلى مرحلة باتت فيها المكتسبات الإجتماعية من الماضي وخارج النقاش، بينما في لبنان تطرح الأسئلة الكثيرة حول هذه المكتسبات وكيفية تحصيلها. وأوضح أن مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين لا يستنبط العجائب، إنما هو بموازنة 17 مليار ليرة لبنانية تؤمن التغطية والإستشفاء للمواطن اللبناني الذي يفوق 64 عامًا، وذلك برفع التغطية من 85% إلى 100%. فالإنسان المسن بحاجة إلى من يقف إلى جانبه، والدولة أولى بذلك.
وأبدى الوزير أبو فاعور تفهمه للهواجس التي طرحها وزير المالية حول إمكانية حصول استغلال للمشروع، إنما هناك ضوابط لمنع هذا الإستغلال. وهذه الضوابط ستتم من خلال آلية قبول admission criteria سيبدأ البدء بتطبيقها في المستشفيات ومن واجب العاملين في هذه الآلية التمييز بين الحالات التي يجب أن تدخل إلى المستشفيات والحالات التي لا تحتاج إلى ذلك. وقال أبو فاعور: لن يُحرم مواطن من الدخول إلى المستشفى في حال كان يحتاج إلى ذلك، كما لن يُسمح لمن لا يحتاج لهذا الدخول به. ولفت وزير الصحة العامة إلى أن تطبيق آلية القبول سيبدأ فورًا في كل المستشفيات. كما أن هناك ثانيًا آلية لضبط النزوح من الضمان الإجتماعي إلى وزارة الصحة، ويتم العمل ثالثًا على آلية لضبط النزوح من شركات التأمين الخاصة إلى وزارة الصحة. ومع هذه الضوابط الثلاث، أمل وزير الصحة العامة عدم الوقوع في محظور استغلال التغطية الإستشفائية الشاملة.
وبالنسبة إلى كيفية تأمين موازنة الـ17 مليار ليرة، لفت الوزير أبو فاعور إلى إمكانية ذلك من الموازنة السنوية التي تعطى لوزارة الصحة، والتي تضاف إليها زيادات سنوية بحكم ازدياد الحاجات والسكان. وأوضح أن وزارة الصحة تريد أن تستخدم هذه الزيادات لإفادة المواطنين المحتاجين والذين ليست لديهم تغطية كاملة، علمًا أن الوزارة تؤيد ما طالبت به نقابة المستشفيات الخاصة لناحية زيادة التعرفة الحالية غير العادلة، مضيفا أن جزءًا كبيرًا من أزمات وزارة الصحة مع المستشفيات الخاصة يعود إلى كون التعرفة لا تتلاءم مع الحجم الذي يجب أن تكون عليه.
وإذ شكر أبو فاعور وزير المالية وهو وزير صحة سابق على تجاوبه السريع مع مطالب وزارة الصحة العامة، لفت إلى أن وفرًا حققته وزارة الصحة في أكثر من مبادرة ويمكن أن يسهم هذا الوفر في دعم مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة: فهناك شبكة الرعاية الصحية الأولية التي تشتمل على 220 مركزًا في مختلف المناطق اللبنانية، وعندما يتم بلوغ 250 مركزًا تكون هذه الشبكة قد غطت كل المناطق اللبنانية، ويمكن لمراكز الشبكة أن تمتص جزءًا كبيرًا من الحالات ما يعفي المستشفيات منها. وتابع أن نظام الإعتماد الذي يصنف المستشفيات يحقق وفرًا في موازنة المستشفيات في وزارة الصحة، فضلا عن أن نظام التدقيق الآلي المعتمد من قبل وزارة الصحة في الفواتير قاد إلى وفر حقيقي، وهناك نظام تدقيق يتم إنجازه من خلال شركات متخصصة ومن المفترض أن يحقق وفرًا، إذ إن مشروعًا اختباريًا لمدة خمسة أشهر أظهر أن الوفر الذي تم تحقيقه كان بنسبة 5%.
وختم وزير الصحة العامة أن الشعار التاريخي في لبنان هو تخفيض الإنفاق، بينما يجب أن يكون الشعار الحقيقي تصويب الإنفاق، بحيث يتم تقليص الإنفاق غير المجدي لمصلحة الإنفاق المجدي. وأقر بأن في مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة، نوعًا من مغامرة، وثمة معركة لا بل معارك لضمان تطبيقه! وعوّل في مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين على تفهم المستشفيات، منبهًا بأن هذا القرار هو ملزم آملا الإلتزام به كي لا يتم الوصول إلى ما لا تود الوزارة الوصول إليه في علاقتها مع المستشفيات الخاصة. وقال أبو فاعور إن نظامنا السياسي ظالم، ونظامنا الإقتصادي جائر ونظامنا الصحي غير عادل، آملا أن يكون مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة خطوة تقود إلى نظام صحي أكثر عدالة باتجاه الحلم التاريخي للمواطنين، والطرح التاريخي للكثير من القوى السياسية بتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
حسن خليل
بدوره، تحدث وزير المالية علي حسن خليل فلفت إلى صعوبة الإنتقال من وزارة الصحة إلى وزارة المالية، لأن هذا الإنتقال يحمل الوزير مسؤولية إضافية في المواكبة والتجاوب مع الكثير من المبادرات لتأمين مقومات فرص الحصول على الخدمات الصحية المناسبة للمواطن اللبناني. وكيف إذا كان الوزير الخلف هو الوزير أبو فاعور الذي لا يترك فرصة إلا ويمارس إرهابًا معنويًا من أجل تأمين مقومات تحسين ظروف الخدمات الصحية للمواطنين.
ورأى حسن خليل أننا أمام خطوة جريئة تحمل الكثير من المخاطر والمصاعب وتحتاج إلى سلسلة من الإجراءات البنيوية في مقاربة مثل هذا الملف الخطير الذي عجزت عنه دول متقدمة كثيرة. إذ ليس ما نقدم عليه بالأمر السهل، وهو يبدأ بشكل أساسي من الحاجة إلى قاعدة من الرعاية الصحية الأولية التي تحدد الحالالت التي يجب تحويلها إلى المستشفيات وإلا فسيترتب علينا الكثير من الحاجات التي لن تستطيع دولة كدولتنا في واقعها الراهن تأمينها.
وقال إننا بحاجة إلى منظومة متكاملة تبدأ من الرعاية الصحية الأولية لتصل إلى مرحلة الدخول إلى المستشفى للمسنين. ونريد أن تكون التغطية الإستشفائية الشاملة مبنية على نظام صحي متكامل يبدأ من الولادة حتى الوفاة. وهذا الأمر، إن كان صعبًا، إلا أنه ليس متعذرًا بإرادة جدية يعكسها وزير الصحة، وبفضل تجاوب مكونات السلطة ككل مع الدراسات العلمية التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار.
وعلق على ما جاء في عرض المدير العام لوزارة الصحة حول أن اثنين فاصل سبعة في المئة من الفاتورة الصحية تكفي لتغطية مشروع التغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين، متمنيا أن يكون هذا الرقم صحيحًا لأنه عندما تصبح الفاتورة مجانية يكثر الإقدام على استخدام الخدمات الصحية حتى لو لم تكن ثمة حاجة ماسة إليها، ما سيؤدي إلى رفع الفاتورة الصحية.
ودعا وزير المالية إلى التنبه والتعاطي بمسؤولية وتكامل بين كل القطاعات المعنية لإنجاح هذه الفرصة. وشدد على وجوب تكامل أدوار كل عناصر مقدمي الخدمات والمستهلك والإدارة المعنية، فضلا عن القيام بحملة إعلامية توعوية لهذه الخدمة الجديدة.
وقال الوزير حسن خليل إنه قد يكون مستغربًا أن تقدم حكومة تواجه تحديات كبرى على بعض الإجراءات الجذرية في عمل وزاراتها، ولكن هذا الإصرار يوحي به الرئيس تمام سلام الذي أثبت القدرة على المزاوجة بين حال الإحباط التي يفرضها أداء الجميع والإصرار على إعطاء الفرصة لأي مبادرة تخرق الجدار الكبير بين المواطن والدولة. ورأى وزير المالية أننا نفتح اليوم ثغرة في هذا الجدار الذي أضعف كثيرًا الثقة بالدولة، مشددا على وجوب توسيع الثغرة أكثر فأكثر مع تحمل الحكومة مسؤولياتها في إقرار التوجهات التي تم إرساؤها بالأمس على المستوى المالي.
أضاف حسن خليل: قد لا نستطيع تحقيق كل ما نطمح إليه ونحلم به على المستوى المالي أما إذا أنجزنا أقل المطلوب والمهم في الوقت نفسه، وهو إقرار الموازنة العامة، فنكون قد خطونا خطوة مهمة إلى الأمام ووسعنا المساحة المفتوحة في هذا الجدار بيننا وبين الناس. وأمل أن تكون كل الأعمال من أجل خدمة الناس.
وكان الإحتفال قد استهل بالنشيد الوطني اللبناني، وبعد تقديم من الإعلامية رنيم بو خزام، قدم المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار عرضًا تقنيا لمشروع التغطية الإستشفائية الشاملة، موضحًا أن المشروع يأتي ضمن رؤيا وتسلسل إنجازات وزارة الصحة العامة، مشيرًا إلى أن السعي لترشيد الإنفاق على الفاتورة الصحية يجب أن يترافق مع تعزيز فرص المواطن في الحصول على الخدمات الصحية والإستشفائية. كما تحدث نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون فلفت إلى أن زيادة التقديمات الطبية في وقت تعاني البلاد من أزمة مالية خانقة، خطوة جريئة تحتاج إلى تضافر الجهود في سبيل إنجاحها. والجهود المطلوبة يجب أن تأتي من ثلاثة أفرقاء: مقدمي الخدمات لا سيما المستشفيات والأطباء، الدولة والمواطنين. وقال هارون إن الدولة تؤمن حوالى 55% من الإنفاق على الإستشفاء في لبنان أي حوالى 1400 مليار ليرة لبنانية سنويًا من خلال مجمل الصناديق الضامنة الرسمية، أما 45% الباقية فيؤمنها المواطنون إما مباشرة من جيبهم الخاص أو بشراء بواليص تأمين لدى شركات التأمين الخاصة. ورأى أن نسبة مساهمة المواطنين هذه تعد مرتفعة ولذلك يشعر المواطنون بعبئها الثقيل إذ يجب ألا تتعدى هذه النسبة 20% وللوصول إلى ذلك يجب أن تؤمن الدولة 425 مليون دولار إضافي وهو أمر يبدو مستحيلا في الوقت الحاضر. وتابع نقيب أصحاب المستشفيات أن محاولة حل هذه المشكلة الكبيرة من خلال الضغط على المستشفيات بشتى الوسائل لن يؤدي إلى النتائج المرجوة بل على العكس قد يزيد الأمور تعقيدًا. فالمستشفيات لديها مستحقات غير مسددة لدى الجهات الضامنة تفوق مليار دولار أميركي كما أن بعض التعرفات قد وضعت منذ 17 عامًا وواضح أن الزمن قد تخطاها ويجب تعديلها. ونبه هارون من المبالغة في استعمال مبادرة وزارة الصحة المتمثلة بالتغطية الإستشفائية الشاملة للمسنين، مشددا على ان الأولوية في الإفادة من تقديمات وزارة الصحة يجب أن تكون للناس الأكثر حاجة ماديًا. وقال إن المستشفيات ستكون إلى جانب وزير الصحة في إنجاح هذه الخطوة بعدما سمعنا أنه سيسعى إلى زيادة الموازنات المخصصة للإستشفاء وإلى تعديل تعرفة العمليات الجراحية لتتلاءم مع التقنيات الحديثة بعدما مرت 17 سنة على آخر دراسة أعدتها وزارة الصحة مع البنك الدولي، وكذلك إلى تسديد المستحقات المتأخرة لصالح المستشفيات والتي يعود قسم منها إلى سنة 2000.